بعد نحو 21 شهرًا من الحرب الدموية، يقترب وقف إطلاق النار في غزة ليصبح مسألة وقت لا احتمال، ما يفتح الباب لهدنة جديدة في صراع دمّر القطاع، وزعزع استقرار المنطقة، وأثار الرعب عالميًا.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب صرّح الجمعة أن حركة حماس قد توافق خلال 24 ساعة على اتفاق وافقت عليه إسرائيل بالفعل، ويتوقع مراقبون صدور إعلان رسمي عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن الاثنين، في ثالث زيارة له إلى البيت الأبيض خلال هذه الولاية.
في حال تفعّل الاتفاق، سيكون هذا ثالث وقف لإطلاق النار منذ بداية الحرب، التي أسفرت عن مقتل نحو 57 ألف فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين. أول هدنة لم تدم سوى عشرة أيام في نوفمبر 2023، والثانية فُرضت في فبراير بضغط من ترامب، لكنها انهارت في مارس بعد تراجع إسرائيل عن تنفيذ المرحلة الثانية التي كان يُفترض أن تؤدي إلى إنهاء دائم للقتال.
الاتفاق الجديد يتضمن إطلاقًا تدريجيًا للأسرى لدى حماس، وإفراجًا عن مئات الفلسطينيين من سجون الاحتلال، وإدخال مساعدات ضرورية إلى غزة، وانسحابًا مرحليًا لقوات الاحتلال من مناطق سيطرت عليها مؤخرًا داخل القطاع.
الهدنة ستستمر 60 يومًا، وخلالها تُعقد محادثات بشأن مستقبل الوضع. ترامب وقوى إقليمية أخرى عرضت ضمانات لحماس بأن إسرائيل لن تستأنف القتال فجأة، وأن هناك التزامًا بمفاوضات جدية لإنهاء الحرب.
أحد العوامل التي قرّبت الهدنة هو النزاع القصير بين إسرائيل وإيران الشهر الماضي، والذي انتهى بوساطة أميركية. هذا النزاع أضعف طهران والفصائل المسلحة المتحالفة معها، ومنها حماس، على المستويين العسكري والسياسي.
لكن العامل الأهم كان المكاسب السياسية التي جناها نتنياهو. فرغم أن الاستطلاعات أظهرت تحسنًا طفيفًا في شعبيته وشعبية حزب الليكود، إلا أن كثيرًا من الإسرائيليين اعتبروا نتيجة المواجهة مع إيران "انتصارًا كبيرًا". وإذا نجح في إنهاء حرب غزة بما يعتبره الناخبون نتيجة "مقبولة"، يستطيع الترشح للانتخابات المقبلة – المتوقعة العام القادم – مدعيًا أنه الرجل الذي "جعل إسرائيل أكثر أمنًا"، رغم إخفاقاته الأمنية التي سبقت هجوم حماس في أكتوبر 2023، والذي خلّف 1200 قتيل و251 أسيرًا إسرائيليًا.
بنهاية هذا الشهر، تدخل الكنيست في عطلة مدتها ثلاثة أشهر، وتتوقف المحاكم عن الانعقاد، ما يمنح نتنياهو هدنة سياسية تبعد عنه خطر التصويت بحجب الثقة أو حل الحكومة، وتوقف محاكمته بتهم فساد. وهذا يُضعف تهديدات حلفائه اليمينيين المتشددين الذين عارضوا أي صفقة مع حماس خلال الحرب.
استطلاعات الرأي تُظهر أن اتفاقًا يعيد الأسرى الإسرائيليين سيكون شعبيًا، ما يعزّز موقف نتنياهو انتخابيًا. كما أن الخسائر البشرية – بما فيها مقتل 20 جنديًا إسرائيليًا في يونيو – تثير قلق الرأي العام. استطلاع نشرته صحيفة "معاريف" أظهر ارتفاعًا إضافيًا في تأييد نتنياهو تزامنًا مع تصاعد آمال وقف إطلاق النار.
أما حماس، فيقول محللون ومصادر مقرّبة من قيادتها إنها تعاني من انقسام داخلي وضعف شديد، وتعاني من قلة الحلفاء القادرين أو الراغبين في دعمها عمليًا. هدفها الآن يتمثل في الحفاظ على وجود ولو محدود داخل غزة، وهذا بحد ذاته تُعدّه نوعًا من النصر، ما يفسّر تمسّكها بالتوصل إلى اتفاق دائم.
لكن لا شيء مضمون. وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن "مصادر مقرّبة من نتنياهو" أنه في حال فشلت المفاوضات في نزع سلاح حماس أو إخراج قياداتها من غزة، فإن إسرائيل ستستأنف عملياتها العسكرية، مع دعم أميركي متوقّع لهذا الخيار. وهناك من يدفع داخل حكومة الاحتلال نحو "هجرة طوعية جماعية" لسكان غزة، أو نقل أعداد كبيرة منهم إلى جنوب القطاع.
الأصوات المتداولة في المشهد كثيرة: أميركية، وإسرائيلية، وسعودية، وقطرية وغيرها. أما أصوات 2.3 مليون فلسطيني داخل غزة، فما تزال خافتة، بينما تستمر الغارات الإسرائيلية. يوم الجمعة، أفاد مسؤولون محليون ومسعفون بمقتل 15 فلسطينيًا في قصف جوي، و20 آخرين في إطلاق نار أثناء انتظارهم الحصول على الطعام.
https://www.theguardian.com/world/2025/jul/04/ceasefire-war-gaza-why-it-could-happen-now-iran-israel-netanyahu